فصل: (بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [لَوْ عَلِمَ مُتَمَتِّعٌ بَعْدَ فَرَاغِ حَجٍّ بُطْلَانَ أَحَدِ طَوَافَيْهِ]:

(لَوْ عَلِمَ مُتَمَتِّعٌ بَعْدَ فَرَاغِ حَجٍّ، بُطْلَانَ أَحَدِ طَوَافَيْهِ) لِلْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، كَكَوْنِهِ طَافَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، (وَجَهِلَهُ) أَيْ: الطَّوَافَ الَّذِي كَانَ فِيهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، (لَزِمَهُ الْأَشَدُّ) يُبْرِئُ ذِمَّتَهُ بِيَقِينٍ، (وَهُوَ)، أَيْ: الْأَشَدُّ (جَعْلُهُ)، أَيْ: الطَّوَافُ الْكَائِنُ بِلَا طَهَارَةٍ، (لِلْعُمْرَةِ)، فَلَا يَحِلُّ مِنْهَا بِحَلْقٍ، لِعَدَمِ صِحَّتِهَا بِفَسَادِ طَوَافِهَا، وَيَكُونُ قَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، (فَيَصِيرُ قَارِنًا، كَمَا لَوْ عَلِمَهُ)، أَيْ: الطَّوَافَ الْبَاطِلَ (لَهَا)، أَيْ: الْعُمْرَةِ، (وَعَلَيْهِ دَمُ قِرَانٍ وَحَلْقٌ) لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ (وَيُجْزِئُهُ الطَّوَافُ لِحَجٍّ)، أَيْ: طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (عَنْ النُّسُكَيْنِ)، أَيْ: الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، كَالْقَارِنِ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ، وَلَوْ قَدَّرَ الطَّوَافَ الْوَاقِعَ بِلَا طَهَارَةٍ مِنْ الْحَجِّ، لَزِمَهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ، لِوُقُوعِهِ غَيْرَ صَحِيحٍ، (وَيُعِيدُ السَّعْيَ) لُزُومًا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، (لِفَقْدِ شَرْطِهِ)، وَهُوَ: وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ، وَقَدْ وُجِدَ بَعْدَ طَوَافٍ غَيْرِ مُعْتَدٍّ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ: نَدْبُ إعَادَةِ طَوَافِ حَجٍّ وَسَعْيِهِ احْتِيَاطًا)، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي قُدِّرَتْ صِحَّتُهُ مُجْزِئٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ غَيْرِ السَّعْيِ فَقَطْ، لَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ إعَادَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، لِيَصْدُقَ عَلَيْهِ الْتِزَامُ الْأَشَدِّ، (وَإِنْ كَانَ) الْمُتَمَتِّعُ (وَطِئَ بَعْدَ حِلِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ)، ثُمَّ عَلِمَ أَحَدَ طَوَافَيْهِ بِلَا طَهَارَةٍ، وَفَرَضْنَاهُ طَوَافَ الْعُمْرَةِ، (وَإِحْرَامٍ بِهِ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ) مِنْ الْعُمْرَةِ. (بِفِعْلِهَا ثَانِيًا فَقَدْ)، حَكَمْنَا بِأَنَّهُ (أَدْخَلَ حَجًّا عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ، لِوَطْئِهِ فِيهَا، فَلَمْ يَصِحَّ) إدْخَالُهُ عَلَيْهَا، (فَيَلْغُو حَجُّهُ)، أَيْ: مَا فَعَلَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِهِ، (وَيَتَحَلَّلُ بِطَوَافِهِ الَّذِي نَوَاهُ لِلْحَجِّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَعَلَيْهِ) دَمَانِ: (دَمُ حَلْقٍ) فَعَلَهُ قَبْلَ إتْمَامِ عُمْرَتِهِ، (وَ: دَمُ وَطْءٍ فِي عُمْرَتِهِ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ)، لِفَسَادِ الْعُمْرَةِ بِالْوَطْءِ. فِيهَا، وَعَدَمِ صِحَّةِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، (فَلَا يَبْرَأُ مِنْ وَاجِبٍ) حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يَقْضِيَ) مُتَمَتِّعٌ كَانَ وَطِئَ قَبْلَ حِلِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ (تَطَوُّعًا) مِنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (لِلشَّكِّ) فِي وُقُوعِهِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا،- وَالْأَصْلُ صِحَّتُهُ وَالْبَرَاءَةُ مِنْهُ (وَ) لَكِنَّ (الِاحْتِيَاطَ الْقَضَاءُ) لِيَبْرَأَ مِنْهُ بِيَقِينٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَلَوْ عَلِمَهُ)، أَيْ: الطَّوَافَ الَّذِي وَقَعَ بِلَا طَهَارَةٍ أَنَّهُ كَانَ (لِحَجٍّ، لَزِمَهُ طَوَافٌ)، أَيْ: الْحَجُّ (وَسَعْيُهُ)، فَيُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ، (وَ) يَلْزَمُ مَعَ ذَلِكَ (دَمٌ)، يَعْنِي لِلْحَلْقِ، (لِحِلِّهِ قَبْلَ وَقْتِهِ)، فَلَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى، (وَ) يَلْزَمُهُ (دَمُ تَمَتُّعٍ بِشَرْطِهِ) قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى عَنْ لُزُومِ الدَّمِ لِلْحَلْقِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَهُ طَوَافَ الْحَجِّ، فَالْعُمْرَةُ قَدْ تَمَّتْ، فَحَلْقُهُ فِي مَحَلِّهِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ تَبَعًا لِلْإِنْصَافِ وَالْمُغْنِي، وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ لِلْحَجِّ، لَمْ يَلْزَمْ أَكْثَرُ مِنْ إعَادَةِ الطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَيَحْصُلُ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، يَعْنِي: فِي صُورَةِ مَا لَوْ وَطِئَ بَعْدَ فَرَاغِ عُمْرَتِهِ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا فِيمَا إذَا لَمْ يَطَأْ: أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِحَلْقِهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ تَبِعَ فِيهَا الْفُرُوعِ وَلَوْ وَجَّهَ الدَّمَ لِلتَّمَتُّعِ، لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ لَهُمَا. انْتَهَى.
وَغَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا التَّنْظِيرَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، بَلْ الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى، لِوُقُوعِ الْحَلْقِ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بَعْدَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ، وَمَرَّةً بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ، فَحَلْقُ الْعُمْرَةِ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ، وَحَلْقُ الْحَجِّ وَقَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، فَالِاعْتِرَاضُ سَاقِطٌ بِالْمَرَّةِ.

.(فَصْلٌ): [السعيُ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ]:

(ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، (يَخْرُجُ لِلسَّعْيِ بَعْدَ عَوْدِهِ لِلْحَجَرِ، وَاسْتِلَامِهِ مِنْ بَابِ) الْمَسْجِدِ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ (الصَّفَا، وَهُوَ)، أَيْ: الصَّفَا: (طَرَفُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، عَلَيْهِ دَرَجٌ وَفَوْقَهُ أَزَجٌ كَالْإِيوَانِ فَيَرْقَى ذَكَرَ الصَّفَا نَدْبًا، لِيَرَى الْبَيْتَ) إنْ أَمْكَنَهُ، (فَيَسْتَقْبِلَهُ)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا، فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ، وَرَفَعَ يَدَهُ، وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيَدْعُو مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» الْحَدِيثَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. «وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ ثَلَاثًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» أَيْ: الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَهُمْ: قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَالْيَهُودُ، (وَيَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي بِدِينِكَ، وَطَوَاعِيَتِكَ وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِكَ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي حُدُودَكَ)، أَيْ: مَحَارِمَكَ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ يُحِبُّكَ، وَيُحِبُّ مَلَائِكَتَكَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ يَسِّرْنِي لِلْيُسْرَى، وَجَنِّبْنِي الْعُسْرَى، وَاغْفِرْ لِي فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ، وَاغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ إنَّكَ قُلْتَ: اُدْعُونِي اسْتَجِبْ لَكُمْ، وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، اللَّهُمَّ إذْ هَدَيْتَنِي لِلْإِسْلَامِ، فَلَا تَنْزِعْنِي مِنْهُ، وَلَا تَنْزِعْهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي عَلَى الْإِسْلَامِ، اللَّهُمَّ لَا تُقَدِّمْنِي إلَى الْعَذَابِ، وَلَا تُؤَخِّرْنِي إلَى سُوءِ الْفِتَنِ)، هَذَا دُعَاءُ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ أَحْمَدُ: يَدْعُو بِهِ، قَالَ نَافِعٌ بَعْدَهُ: وَيَدْعُو دُعَاءً كَثِيرًا حَتَّى إنَّهُ لَيُمِلَّنَا وَنَحْنُ شَبَابٌ. (وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ)، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُلَبِّي) عَلَى الصَّفَا، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (ثُمَّ يَنْزِلُ مِنْ الصَّفَا، وَيَمْشِي حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَلَمِ- وَهُوَ: الْمِيلُ الْأَخْضَرُ، الْمُعَلَّقُ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ) عَلَى يَسَارِهِ- (نَحْوَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ، فَيَسْعَى ذَكَرٌ مَاشٍ سَعْيًا شَدِيدًا نَدْبًا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ، وَلَا يُؤْذَى إلَى الْعَلَمِ الْآخَرِ، وَهُوَ: الْمِيلُ الْأَخْضَرُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ حِذَاءَ دَارِ الْعَبَّاسِ، فَيَتْرُكُ شِدَّةَ السَّعْيِ، ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَرْقَى الْمَرْوَةَ نَدْبًا، وَيَسْتَقْبِلَ) الْقِبْلَةَ، (وَيَقُولَ عَلَيْهَا مَا قَالَ عَلَى الصَّفَا)، لِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا، قَرَأَ: {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} فَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إذَا صَعِدْنَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا» رَوَاه مُسْلِمٌ. (وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ مَا بَيْنَهُمَا)، أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (فَيُلْصِقُ عَقِبَهُ بِأَصْلِهِمَا ابْتِدَاءً) أَيْ: فِي ابْتِدَائِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، (وَ) يُلْصِقُ (أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ) بِأَصْلِهِمَا (انْتِهَاءً)، لِيَسْتَوْعِبَ مَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا لِعُذْرٍ، فَعَلَ ذَلِكَ بِدَابَّتِهِ، لَكِنْ قَدْ حَصَلَ عُلُوٌّ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْأَتْرِبَةِ وَالْأَمْطَارِ بِحَيْثُ تَغَطَّى عِدَّةٌ مِنْ دَرَجِهِمَا، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرُ الْمُغَطَّى، فَيَحْتَاطُ لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ، (ثُمَّ يَنْقَلِبُ)، فَيَنْزِلُ عَنْ الْمَرْوَةِ (إلَى الصَّفَا، فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ، وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ، يَفْعَلُ) السَّاعِي (ذَلِكَ سَبْعًا، ذَهَابُهُ سَعْيَةٌ، وَرُجُوعُهُ سَعْيَةٌ)، يَفْتَتِحُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ، (فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ، لَمْ يَحْتَسِبْ بِذَلِكَ الشَّوْطِ)، لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ». (وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ)، أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (وَمِنْهُ)، أَيْ: مِنْ الدُّعَاءِ: مَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ)، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الْجِمَارِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَلَا يُسَنُّ سَعْيٌ مَا بَيْنَهُمَا)، أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) فَهُوَ رُكْنٌ فِيهِمَا كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ الطَّوَافِ، فَإِنَّهُ مَسْنُونٌ كُلَّ وَقْتٍ، (وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْقَى) الصَّفَا، وَلَا الْمَرْوَةَ، لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، (وَلَا تَسْعَى) سَعْيًا (شَدِيدًا)، لِأَنَّهُ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ، وَلَا يُقْصَدُ ذَلِكَ فِي حَقِّهَا، بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا السِّتْرُ، وَذَلِكَ تَعْرِيضٌ لِلِانْكِشَافِ. (وَتُسَنُّ مُبَادَرَةُ مُعْتَمِرٍ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (وَ) يُسَنُّ (تَقْصِيرُ مُتَمَتِّعٍ لَا هَدْيَ مَعَهُ، لِيَحْلِقَ) شَعْرَهُ (لِلْحَجِّ، وَيَتَحَلَّلُ مُتَمَتِّعٌ)- لِأَنَّ عُمْرَتَهُ تَمَّتْ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالتَّقْصِيرِ- (لَمْ يَسْقِ هَدْيًا، وَلَوْ لَبَّدَ رَأْسَهُ)، لِحَدِيثِ ابْن عُمَرَ: «تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، قَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ أَحْرَمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحِلَّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ مِنْهُمَا جَمِيعًا نَصًّا. (وَمُعْتَمِرٌ) غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ، يَحِلُّ (مُطْلَقًا)، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَوْ لَا، فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنْ تَرَكَ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ فِي عُمْرَتِهِ، وَوَطِئَ قَبْلَهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ، رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ مُعْتَمِرَةٍ وَقَعَ بِهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تُقَصِّرَ، قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مِنْ مَنَاسِكِهِ شَيْئًا، أَوْ نَسِيَهُ، فَلْيُهْرِقْ دَمًا، قِيلَ: فَإِنَّهَا مُوسِرَةٌ، قَالَ: فَلْتَنْحَرْ نَاقَةً» (وَلَا يُسَنُّ تَأْخِيرُ تَحَلُّلٍ)، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَقَدَّمَ. (وَيَسْتَبِيحَانِ)، أَيْ: الْمُعْتَمِرُ وَالْمُتَمَتِّعُ (بِهِ)، أَيْ: بِالتَّحَلُّلِ، (جَمِيعَ الْمَحْظُورَاتِ) فِي الْإِحْرَامِ، (وَيَقْطَعَانِ التَّلْبِيَةَ فِي شُرُوعِهِمَا فِي طَوَافٍ) نَصًّا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. كَقَطْعِ (حَاجٍّ) لَهَا (بِأَوَّلِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ)، لِاشْتِغَالِهِ حِينَئِذٍ بِالدُّعَاءِ. (وَلَا بَأْسَ بِهَا)، أَيْ: التَّلْبِيَةِ (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) نَصًّا (سِرًّا)، قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ بِهَا، لِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى الطَّائِفِينَ، وَكَذَا السَّعْيُ بَعْدَهُ، (وَإِنْ سَاقَهُ)، أَيْ: الْهَدْيَ، (مُتَمَتِّعٌ، لَمْ يَحِلَّ) مِنْ إحْرَامِهِ، (بَلْ يُحْرِمُ بِحَجٍّ بَعْدَ سَعْيِهِ) وُجُوبًا، (وَتَقَدَّمَ) أَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا، ثُمَّ يَحِلُّ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا يَوْمَ النَّحْرِ نَصًّا، لِحَدِيثِ حَفْصَةَ، قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا مِنْ الْعُمْرَةِ، وَلَمْ تُحِلَّ أَنْتَ؟ قَالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (تَنْبِيهٌ: شُرُوطُ سَعْيٍ تِسْعٌ): (إسْلَامٌ، وَعَقْلٌ، وَنِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ) كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، (وَمُوَالَاةٌ) بَيْنَ الْأَشْوَاطِ. (وَيَتَّجِهُ): كَمُوَالَاةِ (طَوَافٍ)، فَلَيْسَ لَهُ الْفَصْلُ بَيْنَ أَشْوَاطِ السَّعْيِ، إلَّا لِمَكْتُوبَةٍ أُقِيمَتْ أَوْ جِنَازَةٍ حَضَرَتْ، فَلَهُ فِعْلُهَا وَالْبِنَاءُ عَلَى مَا سَبَقَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَشْيٌ لِقَادِرٍ، وَتَكْمِيلُ السَّبْعِ، وَاسْتِيعَابُ مَا بَيْنَ الصَّفَوَيْنِ)، أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (وَكَوْنُهُ)، أَيْ: السَّعْيِ، (بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ) مُسْتَكْمِلٍ لِشُرُوطِ الصِّحَّةِ، (وَلَوْ) كَانَ الطَّوَافُ (مَسْنُونًا)، كَطَوَافِ الْقُدُومِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرَ، سِوَى عُمْرَتِهِ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ، فَكَانَ يَسْعَى بَعْدَ الطَّوَاف. (وَيَتَّجِهُ: وَ) عَلَى السَّاعِي (بَدْءُ أَوْتَارِ) سَعْيِهِ (مِنْ الصَّفَا) كَمَا بَدَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَ) بَدْءُ (إشْفَاعِهِ مِنْ الْمَرْوَةِ) كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ الْمَشْرُوعُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَنُهُ)، أَيْ السَّعْيِ: (طَهَارَةُ) سَاعٍ مِنْ (حَدَثٍ، وَ) طَهَارَتُهُ أَيْضًا مِنْ (خَبَثٍ) فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ، (وَسَتْرِ عَوْرَةٍ)، بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَوْ سَعَى عُرْيَانًا أَجْزَأَهُ، وَأَمَّا كَشْفُ الْعَوْرَةِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ، (وَذِكْرٌ وَدُعَاءٌ)، لِمَا تَقَدَّمَ، (وَإِسْرَاعٌ وَمَشْيٌ بِمَوَاضِعِهِ، وَرُقِيٌّ، وَمُوَالَاةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَوَافٍ فَإِنْ طَافَ بِيَوْمٍ، وَسَعَى فِي) يَوْمٍ (آخَرَ، فَلَا بَأْسَ، وَلَا يُسَنُّ عَقِبَهُ)، أَيْ: السَّعْيِ، (صَلَاةٌ)، لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (صِفَةُ الْحَجِّ) وَالْعُمْرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.

.(بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ):

(يُسَنُّ لِمُحَلٍّ بِمَكَّةَ وَقُرْبَهَا وَلِمُتَمَتِّعٍ حَلَّ) مِنْ عُمْرَتِهِ (إحْرَامٌ بِحَجٍّ فِي ثَامِنِ ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ» سُمِّيَ الثَّامِنُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ الْمَاءَ لِمَا بَعْدَهُ، أَوْ: لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ أَصْبَحَ يَتَرَوَّى فِيهِ فِي أَمْرِ الرُّؤْيَا (إلَّا مَنْ)، أَيْ: مُتَمَتِّعًا، (لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَصَامَ)، أَيْ: أَرَادَهُ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ (فِي سَابِعِهِ)، أَيْ: ذِي الْحِجَّةِ، (لِيُتِمَّ صَوْمَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ)، فَيَصُومَ السَّابِعَ وَالثَّامِنَ وَالتَّاسِعَ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَفْعَلَ عِنْدَ إحْرَامِهِ) مِنْ مَكَّةَ أَوْ قُرْبَهَا (مَا يَفْعَلُهُ مُحْرِمٌ مِنْ مِيقَاتٍ مِنْ غُسْلٍ وَغَيْرِهِ)، أَيْ: تَنَظُّفٍ وَتَطَيُّبٍ فِي بَدَنِهِ، وَتَجَرُّدِ ذِكْرٍ مِنْ مَخِيطٍ، وَلُبْسِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ، وَنَعْلَيْنِ، (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَطُوفُ) أُسْبُوعًا (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَلَا يَطُوفُ بَعْدَهُ) أَيْ: إحْرَامِهِ (لِوَدَاعِهِ) نَصًّا، لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِهِ، (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ طَافَ (وَسَعَى بَعْدَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ) سَعْيُهُ (عَنْ وَاجِبِ سَعْيٍ) لِحَجِّهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ طَوَافٌ وَاجِبٌ وَلَا مَسْنُونٌ، (وَالْأَفْضَلُ) أَنْ يَكُونَ (إحْرَامُهُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (مِنْ تَحْتَ الْمِيزَابِ) وَكَانَ عَطَاءٌ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ مُهِلًّا بِالْحَجِّ، (وَجَازَ وَصَحَّ) إحْرَامُهُ (مِنْ خَارِجِهِ) أَيْ: الْحَرَمِ، (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ نَصًّا، (ثُمَّ يَخْرُجُ لِمِنًى) وَهِيَ: (فَرْسَخٌ عَنْ مَكَّةَ) وَيَكُونُ خُرُوجُهُ (قَبْلَ الزَّوَالِ) نَدْبًا، (فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُقِيمُ بِهَا لِلْفَجْرِ) وَيُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مِنًى، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ، سَارَ مِنْ مِنًى، فَأَقَامَ بِنَمِرَةَ: مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ وَهُوَ: جَبَلٌ عَلَيْهِ أَنْصَابُ الْحَرَمِ عَلَى يَمِينِكَ إذَا خَرَجْتَ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ تُرِيدُ الْمَوْقِفَ إلَى الزَّوَالِ، فَيَخْطُبُ بِهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ خُطْبَةً قَصِيرَةً مُفْتَتَحَةً بِالتَّكْبِيرِ، يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا الْوُقُوفَ وَوَقْتَهُ، وَالدَّفْعَ مِنْهُ، وَالْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَنَحْوَهُ مِنْ الْحَلْقِ وَالنَّحْرِ» لِحَدِيثِ جَابِرٍ «حَتَّى إذَا جَاءَ عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ» قَالَ الْخَطَّابِيِّ: الْقَصْوَاءُ: مَفْتُوحَةُ الْقَافِ، مَمْدُودَةُ الْأَلِفِ، وَهِيَ: الْمَقْطُوعَةُ طَرَفِ الْأُذُنِ، وَفِي الصِّحَاحِ: وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةٌ تُسَمَّى قَصْوَاءَ، وَلَمْ تَكُنْ مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ. (ثُمَّ يَجْمَعُ تَقْدِيمًا مَنْ يَجُوزُ لَهُ) الْجَمْعُ، وَهُوَ الْمُسَافِرُ، (وَلَوْ) صَلَّى (مُنْفَرِدًا) نَصًّا (بَيْنَ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ) بِأَذَانِ الْأُولَى وَإِقَامَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا», وَقَالَ سَالِمٌ لِلْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ يَوْمَ عَرَفَةَ: «إنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ، فَقَصِّرْ الْخُطْبَةَ، وَعَجِّلْ الصَّلَاةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. (ثُمَّ يَأْتِي عَرَفَةَ، وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَقَدْ وَقَفْت هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِحَدِيثِ: «كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. فَلَا يُجْزِئُ وُقُوفُهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ كَمُزْدَلِفَةَ. (وَحَدُّ عَرَفَاتٍ: مِنْ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى عُرَنَةَ، إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ، إلَى مَا يَلِي بَسَاتِينَ بَنِي عَامِرٍ. وَسُنَّ وُقُوفُهُ) أَيْ: الْحَاجِّ، بِعَرَفَةَ (رَاكِبًا) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءَ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ جَبَلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ» (بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ) فَيَفْعَلُهَا غَيْرَ رَاكِبٍ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ طَوَافٍ وَسَعْيٍ رَاكِبًا، (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمُفْتَرَشَةِ أَسْفَلَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ)، وَاسْمُهُ: إلَالٌ عَلَى وَزْنِ هِلَالٍ وَيُقَالُ لَهُ: جَبَلُ الدُّعَاءِ، لِقَوْلِ جَابِرٍ وَتَقَدَّمَ. (وَلَا يُشْرَعُ صُعُودُهُ) أَيْ: جَبَلِ الرَّحْمَةِ إجْمَاعًا، (فَرَاكِبٌ يَجْعَلُ بَطْنَ رَاحِلَتِهِ لِلصَّخَرَاتِ) لِلْخَبَرِ (وَرَاجِلٌ يَقِفُ عَلَيْهَا) أَيْ: الصَّخَرَاتِ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ فِي الِانْتِصَارِ أَفْضَلِيَّةُ الْمَشْيِ فِي الْحَجِّ عَلَى الرُّكُوبِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْبَارَ فِي ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُبَّادِ، وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ حَجَّ خَمْسَ عَشْرَةَ حَجَّةً مَاشِيًا، وَذَكَرَ غَيْرُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَالْجَنَائِبُ تُقَادُ مَعَهُ. وَقَالَ فِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ: فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْمَاشِي: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، وَقِيلَ لَهُ: وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ: بِكُلِّ حَسَنَةٍ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ» قَالَ: وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتُصَافِحُ رُكْبَانَ الْحَجِّ، وَتَعْتَنِقُ الْمُشَاةَ». (وَيَرْفَعُ وَاقِفٌ) بِعَرَفَةَ (يَدَيْهِ نَدْبًا) وَلَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ، (وَيُكْثِرُ مِنْ دُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ، وَتَضَرُّعٍ وَخُشُوعٍ، وَإِظْهَارِ ضَعْفٍ وَافْتِقَارٍ، وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ، وَيُكَرِّرُ كُلَّ دُعَاءٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيُكْثِرُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا) إلَى آخِرِ (الْآيَةِ، اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً، إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ- بِفَتْحِ الْكَافِ، وَآخِرُهُ زَايٌ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «كَان أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». (وَيُكْثِرُ الْبُكَاءَ مَعَ ذَلِكَ) الذِّكْرِ، وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَامَةُ الْقَبُولِ، (فَهُنَالِكَ) أَيْ: فِي هَذَا الْمَقَامِ الْعَظِيمِ، (تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ) إذْ ذَاكَ الْيَوْمُ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ، وَمَوْقِفُهُ أَشْرَفُ مَوَاقِفِ الْإِسْلَامِ، (وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ)، وَتُغْفَرُ الزَّلَّاتُ، فَيَا هَنِيئًا لِمَنْ حَصَلَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، مُخْلِصًا لِلَّهِ فِي السِّرِّ وَالْإِعْلَانِ، وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالٍ حَلَالٍ، وَاتَّقَى الرَّفَثَ وَالْفُسُوقَ وَالْجِدَالَ، وَوَقَفَ مَوْقِفَ الذَّلِيلِ الْحَقِيرِ وَدَعَا بِمَا وَرَدَ عَنْ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَهُوَ: اللَّهُمَّ إنَّك تَرَى مَكَانِي، وَتَسْمَعُ كَلَامِي، وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي، أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ، الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ، الْوَجِلُ الْمُشْفِقُ، الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ، أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمَسَاكِينِ، وَأَبْتَهِلُ إلَيْك ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ وَأَدْعُوك دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ، مَنْ خَشَعَتْ لَك رَقَبَتُهُ، وَذَلَّ لَك جَسَدُهُ، وَفَاضَتْ لَك عَيْنَاهُ، وَرَغِمَ لَك أَنْفُهُ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، اللَّهُمَّ اهْدِنِي بِالْهُدَى، وَقِنِي بِالتَّقْوَى، وَاغْفِرْ لِي فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى. وَيَرُدُّ يَدَيْهِ، وَيَسْكُتُ قَدْرَ مَا كَانَ إنْسَانٌ قَارِئًا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، ثُمَّ يَعُودُ، فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى أَفَاضَ. (وَوَقْتُ وُقُوفٍ: مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ الطَّائِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي جِئْت مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ، أَكْلَلْت رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْت نَفْسِي، وَاَللَّهِ مَا تَرَكْت مِنْ جَبَلٍ إلَّا وَقَفْت عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» رَوَاه الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ لَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ كَافَّةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَكَانَ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ كَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَتَرْكُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْوُقُوفَ فِيهِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ، كَمَا بَعْدَ الْعِشَاءِ. وَإِنَّمَا وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ. (فَمَنْ حَصَلَ فِيهِ) أَيْ: فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ، (لَا مَعَ سُكْرٍ أَوْ إغْمَاءٍ) مَا لَمْ يُفِقْ بِهَا. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ جُنُونٍ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ، مُصَرَّحٌ بِهِ فِي مَتْنِ الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ (بِعَرَفَةَ) وَلَوْ (لَحْظَةً) مُخْتَارًا، (وَهُوَ) أَيْ: الْحَاصِلُ بِعَرَفَةَ لَحْظَةً (أَهَلَّ) لِلْحَجِّ، بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا بِهِ مُسْلِمًا عَاقِلًا، (وَلَوْ مَارًّا) بِعَرَفَةَ رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا، (أَوْ) مَرَّ بِهَا (نَائِمًا أَوْ جَاهِلًا أَنَّهَا عَرَفَةُ، صَحَّ حَجُّهُ) لِلْخَبَرِ، وَأَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ حُرًّا بَالِغًا، وَإِلَّا، فَنَفْلٌ (وَيَأْتِي) قُبَيْلَ بَابِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيّ، (وَلَوْ أَخْطَئُوا الْوُقُوفَ) مُفَصَّلًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ طَاهِرًا مِنْ الْحَدَثَيْنِ، وَمِنْ نَجَاسَةٍ بِبَدَنِهِ وَثَوْبِهِ، كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ. (وَيَصِحُّ وُقُوفُ حَائِضٍ إجْمَاعًا كَعَائِشَةَ) الصِّدِّيقَةِ بِنْتِ الصِّدِّيقِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) وَعَنْ أَبِيهَا، وَعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنَّهَا وَقَفَتْ حَائِضًا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَمَنْ وَقَفَ) بِعَرَفَةَ (نَهَارًا، وَدَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَلَمْ يَعُدْ) بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ إلَى عَرَفَةَ (أَوْ عَادَ) إلَيْهَا (قَبْلَهُ) أَيْ: الْغُرُوبِ (وَلَمْ يَقَعْ) أَيْ: الْغُرُوبُ (وَهُوَ بِهَا) أَيْ: عَرَفَةَ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ وَاجِبًا، كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ، وَهُوَ: الْوُقُوفُ فِي النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، كَمَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ (بِخِلَافِ وَاقِفٍ لَيْلًا فَقَطْ) فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. لِحَدِيثِ: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ مِنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ إذَا أَحْرَمَ مِنْهُ.

.(فَرْعٌ): [الْحكمُ إن جاء يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]:

وَقْفَةُ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ يَوْمِهَا سَاعَةَ الْإِجَابَةِ (إنْ وَافَقَ) يَوْمُ (عَرَفَةَ) يَوْمَ (الْجُمُعَةِ كَانَ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ) قِيلَ وَلِهَذَا اُشْتُهِرَ الْحَجُّ بِالْأَكْبَرِ إذَا كَانَتْ الْوَقْفَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِأَنَّ فِيهَا مُوَافَقَةَ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ وَقْفَةَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْحَدِيثَيْنِ الْآتِيَيْنِ.
(قَالَ) ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي الْهَدْيِ) النَّبَوِيِّ: (مَا اسْتَفَاضَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ مِنْ أَنَّهَا) أَيْ: وَقْفَةَ الْجُمُعَةِ (تَعْدِلُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَجَّةً، فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ. انْتَهَى.
وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِي التَّضْعِيفَ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحَسَنَةَ تَتَضَاعَفُ بِزَمَنٍ فَاضِلٍ، وَلِحَدِيثِ رَزِينٍ مَرْفُوعًا: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» ذَكَرَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنَاسِكِهِ، وَالْكَازَرُونِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْأَخَوَيْنِ وَالشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ الزِّيَادِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ، وَحَدِيثُ- «إذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، غَفَرَ اللَّهُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ»- قَدْ يَسْتَشْكِلُ أَنَّهُ وَرَدَ مِثْلُهُ فِي مُطْلَقِ الْحَجِّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى مَغْفِرَتِهِ لَهُمْ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَحُمِلَ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ يَهَبُ قَوْمًا لِقَوْمٍ، ذَكَرَهُ الْكَازَرُونِيُّ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ جَمَاعَةَ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ أَبِيهِ.

.(فَصْلٌ): [في الدَّفَعِ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ عَرَفَةَ لِمُزْدَلِفَةَ]:

(ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ) مِنْ عَرَفَةَ (لِمُزْدَلِفَةَ) مِنْ الزُّلَفِ، وَهُوَ: التَّقْرِيبُ، لِأَنَّ الْحَاجَّ إذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ ازْدَلَفُوا إلَيْهَا أَيْ: تَقَرَّبُوا وَمَضَوْا إلَيْهَا، وَتُسَمَّى جَمْعًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا (مَعَ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ، كَأَمِيرٍ حَاجٍّ، فَيُكْرَهُ) الدَّفْعُ (قَبْلَهُ) لِقَوْلِ أَحْمَدَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَدْفَعَ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لَكِنْ لَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَهِيَ) أَيْ: مُزْدَلِفَةُ: (مَا بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ) بِالْهَمْزِ وَكَسْرِ الزَّايِ، وَهُمَا: جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ (وَوَادِي مُحَسِّرٍ) بِالْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ: وَادٍ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَحْسَرُ سَالِكَهُ (بِسَكِينَةٍ) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ الْقَصْوَاءَ بِالزِّمَامِ حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» وَقَوْلُهُ: شَنَقَ، أَيْ: كَفَّ رَأْسَهَا إلَى مُقَدَّمَةِ الرَّحْلِ، وَقَوْلُهُ: مَوْرِكَ رَحْلِهِ، الْوَرِكُ: مَا فَوْقَ الْفَخِذِ (يُسْرِعُ فِي الْفُرْجَةِ) لِحَدِيثِ أُسَامَةَ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ»، أَيْ: أَسْرَعَ لِأَنَّ الْعَنَقَ انْبِسَاطُ السَّيْرِ، وَالنَّصُّ: فَوْقَ الْعَنَقِ (فَإِذَا بَلَغَهَا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (جَمَعَ الْعِشَاءَيْنِ بِهَا) أَيْ: مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ (نَدْبًا، وَلَوْ مُنْفَرِدًا قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ) لِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ، نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَقُلْت لَهُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَك، فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ مُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ:
لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالطَّرِيقِ، تَرَكَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَهُ، لِأَنَّ كُلَّ صَلَاتَيْنِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَفِعْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَحْمُولٌ عَلَى الْأَفْضَلِ. (ثُمَّ يَبِيتُ بِهَا) أَيْ: بِمُزْدَلِفَةَ (وُجُوبًا لِنِصْفِ لَيْلٍ) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْقَى بِهَا إلَى الصَّبَاحِ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بَاتَ بِهَا وَقَالَ: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لِحَدِيثِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»، أَيْ جَاءَ عَرَفَةَ (وَلَهُ) أَيْ: الْحَاجِّ (الدَّفْعُ مِنْهَا)، أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كُنْت فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتْ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (وَفِيهِ) أَيْ: الدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ (قَبْلَهُ) أَيْ: نِصْفِ اللَّيْلِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ أَوْ جَاهِلًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا (عَلَى غَيْرِ رُعَاةٍ، وَ) غَيْرِ (سُقَاةِ) زَمْزَمَ (دَمٌ) لِتَرْكِهِ نُسُكًا وَاجِبًا، وَالنِّسْيَانُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي جَعْلِ الْمَوْجُودِ كَالْمَعْدُومِ، لَا فِي جَعْلِ الْمَعْدُومِ كَالْمَوْجُودِ، وَأَمَّا السُّقَاةُ وَالرُّعَاةُ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، رَخَّصَ لِلرُّعَاةِ فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ، وَرَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ، لِأَجْلِ سِقَايَتِهِ وَلِلْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ بِالْمَبِيتِ (مَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (قَبْلَ الْفَجْرِ) نَصًّا، فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا قَبْلَهُ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (كَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي) مِنْ اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ فِيهَا جُزْءًا مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُهُ، كَمَنْ لَمْ يَأْتِ عَرَفَةَ إلَّا لَيْلًا. (وَمَنْ أَصْبَحَ بِهَا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ «صَلَّى الصُّبْحَ بِهَا حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ» وَلِيَتَّسِعَ وَقْتُ وُقُوفِهِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (ثُمَّ أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَجِّ، وَهُوَ: (جَبَلٌ صَغِيرٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ) اسْمُهُ فِي الْأَصْلِ: قُزَحٌ (فَرَقَى عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَهُ، أَوْ وَقَفَ عِنْدَهُ وَحَمِدَ اللَّهَ، وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، وَرَقِيَ عَلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَهَلَّلَهُ وَكَبَّرَهُ» (وَدَعَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا أَوْقَفْتَنَا فِيهِ، وَأَرَيْتَنَا إيَّاهُ، فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدَتْنَا بِقَوْلِك، وَقَوْلُك الْحَقُّ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}) الْآيَتَيْنِ (إلَى: {غَفُورٌ رَحِيمٌ}. ثُمَّ لَا يَزَالُ يَدْعُو إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا) لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَمْ يَزَلْ وَاقِفًا عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا» (فَيَسِيرُ) قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، لِقَوْلِ عُمَر: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ، فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَثَبِيرُ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ. (بِسَكِينَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ، فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ». (فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّرًا، أَسْرَعَ) قَدْرَ (رَمْيَةِ حَجَرٍ) إنْ كَانَ (مَاشِيًا، أَوْ) حَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ (رَاكِبًا) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا» وَعَنْ عُمَرَ: «أَنَّهُ لَمَّا أَتَى مُحَسِّرًا، أَسْرَعَ، وَقَالَ: إلَيْكَ يَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا» الْقَلَقُ: الِانْزِعَاجُ. وَالْوَضِينُ، بِمُعْجَمَةٍ: حِزَامُ الرَّحْلِ. (وَيَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ سَبْعِينَ حَصَاةً) كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُهُ مِنْ جَمْعٍ، وَفَعَلَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَ: كَانُوا يَتَزَوَّدُونَ الْحَصَى مِنْ جَمْعٍ، وَذَلِكَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنًى بِشَيْءٍ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَهُوَ تَحِيَّتُهَا، فَلَا يَشْتَغِلُ قَبْلَهُ بِشَيْءٍ، وَتَكُونُ الْحَصَاةُ (أَكْبَرَ مِنْ الْحِمَّصِ، وَدُونَ الْبُنْدُقِ)، كَحَصَى الْخَذْفِ، بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، أَيْ الرَّمْيِ بِنَحْوِ حَصَاةٍ، أَوْ نَوَاةٍ بَيْنَ السَّبَّابَتَيْنِ تُحْذَفُ بِهَا (مِنْ حَيْثُ شَاءَ) أَخَذَ حَصَى الْجِمَارِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مِنًى، وَلَهُ أَخْذُهُ (مِنْ مُزْدَلِفَةَ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ: اُلْقُطْ لِي حَصًى، فَلَقَطْت لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ، فَجَعَلَ يَقْبِضُهُنَّ فِي كَفِّهِ، وَيَقُولُ: أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى. (وَكَرِهَ) أَخْذُ الْحَصَى (مِنْ مِنًى وَسَائِرِ الْحَرَمِ) وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَالتَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ فِي الْإِنْصَافِ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَمِنْ مُزْدَلِفَةُ، وَمِنْ حَيْثُ شَاءَ، وَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: مِنْ حَيْثُ شَاءَ، وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ: خُذْ الْحَصَى مِنْ حَيْثُ شِئْت، وَفِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ «حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا قَالَ: عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي تُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَلِذَلِكَ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ، عَمَّا فِي الْفُرُوعِ: إنَّهُ سَهْوٌ، وَقَالَ: لَعَلَّهُ أَرَادَ حَرَمَ الْكَعْبَةِ، وَفِي مَعْنَاهُ قُوَّةٌ. انْتَهَى.
أَيْ: أَرَادَ بِالْحَرَمِ: الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِهَا، جَازَ، إلَّا مِنْ الْمَسْجِدِ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ حَصْبَاءِ الْحَرَمِ وَتُرَابِهِ. انْتَهَى.
وَقَوْلُ ابْنِ جَمَاعَةَ فِي الْمَنَاسِكِ الْكُبْرَى: وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إنَّهُ يُكْرَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَمِنْ الْحِلِّ. انْتَهَى.
وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ الْفُرُوعِ لَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ بِهِ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
(وَ) كُرِهَ أَخْذٌ (مِنْ الْحَشِّ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ نَجَاسَتِهِ (وَ) كُرِهَ (تَكْسِيرُهُ) أَيْ: الْحَصَى، لِئَلَّا يَطِيرَ إلَى وَجْهِهِ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ (وَلَا يُسَنُّ غَسْلُ غَيْرِ نَجَسٍ) مِنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ (وَتُجْزِئُ حَصَاةٌ نَجِسَةٌ بِكَرَاهَةٍ) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا» (وَ) تُجْزِئُ حَصَاةٌ (فِي خَاتَمٍ إنْ قَصَدَهَا) بِالرَّمْيِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُمَا، لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (وَ) تُجْزِئُ حَصَاةٌ (غَيْرُ مَعْهُودَةٍ) كَحَصَاةٍ (مِنْ مسن وَبِرَامٍ وَمَرْمَرٍ وكدان) وَسَوَاءٌ السَّوْدَاءُ، وَالْحَمْرَاءُ، وَالْبَيْضَاءُ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ. (لَا) تُجْزِئُ حَصَاةٌ (صَغِيرَةٌ جِدًّا أَوْ كَبِيرَةٌ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا لَا يُسَمَّى حَصًى وَالْكَبِيرَةُ تُسَمَّى حَجَرًا (أَوْ) أَيْ: وَلَا تُجْزِئ (مَا) أَيْ: حَصَاةٌ (رَمَى بِهَا) لِأَخْذِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ` الْحَصَى مِنْ غَيْرِ الْمَرْمِيِّ، وَلِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي عِبَادَةٍ، فَلَا تُسْتَعْمَلُ فِيهَا ثَانِيًا، كَمَاءِ وُضُوءٍ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ (بِغَيْرِ الْحَصَى، كَجَوْهَرٍ وَذَهَبٍ) وَزُمُرُّدٍ (وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ وبلخش وَفَيْرُوزَجَ، وَنَحْوِ نُحَاسٍ) كَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ (فَإِذَا وَصَلَ مِنًى- وَحَدُّهَا: مَا بَيْنَ وَادِي مُحَسِّرٍ وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ- بَدَأَ بِهَا) أَيْ: جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (فَرَمَاهَا) رَاكِبًا إنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: مَاشِيًا نَصًّا (بِسَبْعٍ) وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى، لِحَدِيثِ جَابِرٍ «حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا» (وَهُوَ) أَيْ: الرَّمْيُ: (تَحِيَّةُ مِنًى) كَمَا أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، فَلَا يَبْدَأُ بِشَيْءٍ قَبْلَهُ. (وَشَرْطُ وَقْتٍ) وَهُوَ وَقْتُ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ إنْ كَانَ وَقَفَ، وَإِلَّا، فَبَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ. (وَرَمْيٍ، فَلَا يُجْزِئُ وَضْعٌ) فِي الْمَرْمَى (بِدُونِهِ) أَيْ: الرَّمْيِ، وَيُجْزِئُ طَرْحُهَا.
(وَ) يُشْتَرَطُ (عَدَدٌ) وَهُوَ سَبْعٌ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَوْلِهِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَكَوْنُهُ) أَيْ: الرَّامِي يَرْمِي الْحَصَى (بِنَفْسِهِ) إنْ كَانَ قَادِرًا. (وَيَسْتَنِيبُ) بَالِغٌ أَوْ مُمَيِّزٌ (لِعَجْزِهِ) عَنْ الرَّمْيِ لِزَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا (وَكَوْنُهُ) أَيْ: الرَّمْيِ (وَاحِدَةٌ) مِنْ الْحَصَى (فَوَاحِدَةٌ) مِنْهُ (فَلَوْ رَمَى) أَكْثَرَ مِنْ حَصَاةٍ (دَفْعَةً) بِفَتْحِ الدَّالِ (فَوَاحِدَةً) يَحْتَسِبُ بِهَا وَيُتِمُّ عَلَيْهَا (وَأَدَبٍ) لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ (وَ) يُشْتَرَطُ (عِلْمُ الْحُصُولِ) لِحَصًى يَرْمِيهِ (بِالْمَرْمَى) فَلَا يَكْفِي ظَنُّهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ بِذِمَّتِهِ، فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ عَلَى الْمَذْهَبِ (فَلَوْ) رَمَى حَصَاةً، فَالْتَقَطَهَا طَائِرٌ، أَوْ ذَهَبَتْ بِهَا الرِّيحُ قَبْلَ وُقُوعِهَا بِالرَّمْيِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ (وَقَعَتْ) الْحَصَاةُ (خَارِجَهُ) أَيْ: الْمَرْمَى (ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ فِيهِ) أَيْ: الْمَرْمَى، أَجْزَأَتْهُ (أَوْ) رَمَاهَا فَوَقَعَتْ (عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ، ثُمَّ صَارَتْ فِيهِ) أَيْ: الْمَرْمَى، (وَلَوْ بِنَفْضِ غَيْرِهِ) أَيْ الرَّامِي (أَجْزَأَتْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْإِقْنَاعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى، لِأَنَّ الرَّامِيَ انْفَرَدَ بِهَا (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَوْلٌ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ: صَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
تَنْبِيهٌ:
قَدْ عَلِمْت مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْمَرْمَى مُجْتَمَعُ الْحَصَى، لَا نَفْسُ الشَّاخِصِ وَلَا مَسِيلُهُ. (وَيَتَّجِهُ): مَحَلُّ إجْزَاءِ حَصَاةٍ نُفِضَتْ عَنْ ثَوْبِ غَيْرِ رَامِيهَا: (إنْ نَفَضَهَا) عَنْ ثَوْبِهِ (فَوْرًا) وَحَصَلَتْ فِي الْمَرْمَى، وَهَذَا مُتَّجِهٌ (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا: (أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَمْيٍ) مِنْ نَافِضٍ (بِيَدٍ) فَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَوْ نَفَضَهَا عَنْ ثَوْبِهِ بِغَيْرِ يَدِهِ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ خِلَافُهُ، إذْ النَّفْضُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا. (وَوَقْتُ رَمْيٍ مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ «أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تُعَجِّلَ الْإِفَاضَةَ وَتُوَافِيَ مَكَّةَ مَعَ صَلَاةِ الْفَجْرِ»، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، أَشْبَهَ مَا بَعْدَ الشَّمْسِ (كـَ) مَا أَنَّ وَقْتَ (طَوَافِ) الزِّيَارَةِ: مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) وَقْتُ (حَلْقٍ) مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَنُدِبَ رَمْيٌ بَعْدَ الشُّرُوقِ) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ضُحَى النَّحْرِ وَحْدَهُ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ: وَحْدَهُ، رَاجِعٌ لِيَوْمِ الْعِيدِ لَا لِلرَّامِي، وَأَمَّا بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ، فَشُرِعَ الرَّمْيُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَحَدِيثُ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ (فَإِنْ غَرَبَتْ) شَمْسُ يَوْمِ النَّحْرِ، (وَلَمْ يَرْمِ فَ) يَرْمِي تِلْكَ الْجَمْرَةَ (مِنْ غَدِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «مَنْ فَاتَهُ الرَّمْيُ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، فَلَا يَرْمِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ الْغَدِ» (فَلَا يُجْزِئُ) الرَّمْيُ (قَبْلَهُ) أَيْ: الزَّوَالِ، لِلْخَبَرِ.
(وَ) نُدِبَ (أَنْ يُكَبِّرَ رَامٍ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ (وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا) لِمَا رَوَى حَنْبَلٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: «رَأَيْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، وَرَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَذَكَرَهُ، فَسَأَلْتُهُ عَمَّا صَنَعَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ، وَيَقُولُ كُلَّمَا رَمَى مِثْلَ ذَلِكَ».
(وَ) نُدِبَ (أَنْ يَسْتَبْطِنَ الْوَادِيَ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَأَنْ يَرْمِيَ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ: «لَمَّا أَتَى عَبْدُ اللَّهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ اسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَجَعَلَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ، مِنْ هَا هُنَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. (وَيَرْفَعُ يُمْنَاهُ عِنْدَ رَمْيٍ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ) لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى الرَّمْيِ. (وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) أَيْ: جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «كَانَ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، انْصَرَفَ وَلَا يَقِفُ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ، وَلِلْبُخَارِيِّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِضِيقِ الْمَكَانِ (بَلْ يَرْمِيهَا مَاشِيًا) نَدْبًا، وَأَمَّا كَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَاهَا رَاكِبًا، فَلِأَجْلِ أَنْ يَرَاهُ عَامَّةُ النَّاسِ (وَلَهُ رَمْيُهَا) أَيْ: جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (مِنْ فَوْقِهَا) لِفِعْلِ عُمَرَ لَمَّا رَأَى مِنْ الزِّحَامِ عِنْدَهَا. (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الرَّمْيِ) لِحَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: «حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَطَعَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ» رَوَاه حَنْبَلٌ فِي الْمَنَاسِكِ. (ثُمَّ يَنْحَرُ هَدْيًا مَعَهُ) وَاجِبًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا، لِقَوْلِ جَابِرٍ: «ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَعَلَيْهِ وَاجِبٌ، اشْتَرَاهُ، وَإِذَا نَحَرَهَا فَرَّقَهَا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، أَوْ أَطْلَقَهَا لَهُمْ (وَيَأْتِي) فِي بَابِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ (وَقْتُ ذَبْحِهِ) وَحُكْمُ جِلَالٍ وَجُلُودٍ وَإِعْطَاءِ جَازِرٍ مِنْهَا (ثُمَّ يَحْلِقُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} (وَهُوَ) أَيْ: الْحَلْقُ (أَفْضَلُ) مِنْ التَّقْصِيرِ، (وَلَوْ لَبَّدَ رَأْسَهُ) أَيْ: الْمُلَبِّدُ لَا يُمْكِنُ التَّقْصِيرُ مِنْهُ كُلِّهِ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ كَانَ مُلَبَّدًا تَعَيَّنَ الْحَلْقُ فِي الْمَنْصُوصِ، وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحِ، وَيَكُونُ حَلْقُهُ (بِنِيَّةِ النُّسُكِ) وُجُوبًا، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ. (وَسُنَّ اسْتِقْبَالُهُ) أَيْ: الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ الْقِبْلَةَ، كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ (وَ) سُنَّ (تَكْبِيرٌ وَدُعَاءٌ) وَقْتَ الْحَلْقِ كَالرَّمْيِ (وَ) سُنَّ (بَدَاءَةً بِشِقٍّ أَيْمَنَ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ، وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
(وَ) سُنَّ (بُلُوغٌ بِحَلْقِ الْعَظْمَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى الصُّدْغَيْنِ) مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لِلْحَالِقِ: أَبْلِغْ الْعَظْمَيْنِ، افْصِلْ الرَّأْسَ مِنْ اللِّحْيَةِ، وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: مِنْ السُّنَّةِ إذَا حَلَقَ أَنْ يَبْلُغَ الْعَظْمَيْنِ (أَوْ يُقَصِّرَ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ (لَا مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِعَيْنِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِحَلْقِهِ، وَلَا يُجْزِئُ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرُهُ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ» فَكَانَ تَفْسِيرًا لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ. (وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ) مِنْ شَعْرِهَا (كَذَلِكَ أُنْمُلَةٌ فَأَقَلُّ)، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ، إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ الْحَلْقَ مُثْلَةٌ فِي حَقِّهِنَّ، فَتُقَصِّرُ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ (كَعَبْدٍ، وَلَا يَحْلِقُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) لِأَنَّ بَقَاءَ شَعْرِهِ يَزِيدُ فِي قِيمَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ): إنَّمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْعَبْدِ التَّقْصِيرُ (إنْ نَقَصَتْ بِهِ) أَيْ: الْحَلْقِ (قِيمَتُهُ) وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُوَافِقٌ لِتَعْلِيلِهِمْ، بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ فَقَالَ: لِأَنَّ الْحَلْقَ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسَنُّ) لِمَنْ حَلَقَ (أَخْذُ ظُفُرٍ وَشَارِبٍ، وَشَعْرِ إبْطٍ وَنَتْفِ عَانَةٍ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ، قَلَّمَ أَظْفَارَهُ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ. (وَتَطَيُّبٌ عِنْدَ تَحَلُّلٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَيَأْتِي.
(وَ) سُنَّ أَنْ (لَا يُشَارِطَ الْحَلَّاقَ عَلَى أُجْرَةٍ) لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ. (وَسُنَّ إمْرَارُ مُوسَى عَلَى مَنْ عَدِمَهُ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَجِبْ، لِأَنَّ الْحَلْقَ مَحَلُّهُ الشَّعْرُ، فَيَسْقُطُ بِعَدَمِهِ كَغَسْلِ عُضْوٍ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ قَصَّرَ أَجْزَأَهُ، وَكَذَا إنْ نَتَفَهُ أَوْ أَزَالَهُ بِنُورَةٍ، لَكِنَّ السُّنَّةَ الْحَلْقُ، أَوْ التَّقْصِيرُ. (ثُمَّ) بَعْدَ رَمْيٍ أَوْ حَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ (قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ) حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ (إلَّا النِّسَاءِ) نَصًّا (مِنْ وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ) كَالْمُبَاشَرَةِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ (وَعَقْدِ نِكَاحٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ، وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» رَوَاه سَعِيدٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا حَدَّ لِآخِرِ حَلْقٍ كَطَوَافٍ، فَلَا دَمَ عَلَى مَنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ (عَنْ أَيَّامِ مِنًى)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} فَبَيَّنَ أَوَّلَ وَقْتِهِ دُونَ آخِرِهِ، فَمَتَى أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ كَالطَّوَافِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ نُسُكًا كَالطَّوَافِ، وَتَقَدَّمَ (أَوْ قَدَّمَهُ) أَيْ: الْحَلْقَ (عَلَى رَمْيٍ، أَوْ) قَدَّمَهُ عَلَى (نَحْرٍ) أَوْ نَحْرٍ قَبْلَ رَمْيِهِ (أَوْ طَافَ) لِلْإِفَاضَةِ (قَبْلَ رَمْيِ) جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ عَطَاءٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَفَضْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ، وَلَا حَرَجَ» وَعَنْهُ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ فَلَا حَرَجَ» رَوَاهمَا سَعِيدٌ. وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، «وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: اذْبَحْ، وَلَا حَرَجَ، فَقَالَ آخَرُ: ذَبَحْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ، وَلَا حَرَجَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَمَا سَمِعْته سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ مِمَّا يَنْسَى الْمَرْءُ أَوْ يَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ عَلَى بَعْضٍ وَأَشْبَاهِهِمَا إلَّا قَالَ: افْعَلُوا، وَلَا حَرَجَ» رَوَاه مُسْلِمٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَوْ) كَانَ (عَالِمًا) لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبَعْضُ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَلَا حَرَجَ»، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا إثْمَ وَلَا دَمَ فِيهِ (لَكِنَّ السُّنَّةَ تَقْدِيمُ رَمْيٍ فَنَحْرٍ فَحَلْقٍ فَطَوَافٍ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.